مدير مكتب الابتكار في منظمة الأغذية والزراعة: الذكاء الاصطناعي قد يكون حلًا يغير قواعد اللعبة بالنسبة إلى المزارعين

مقابلة مع السيد Vincent Martin، مدير مكتب الابتكار في منظمة الأغذية والزراعة

تحلق طائرة بدون طيار بينما يعمل المزارعون في حقل المحاصيل في تنزانيا.

©FAO / Eduardo Soteras

02/04/2025

روما - يواجه العالم تحديات غير مسبوقة تتمثل في تزايد عدد السكان، وزيادة الظروف المناخية القصوى، وانحسار الموارد الطبيعية. وتتطلب تغذية كوكب الأرض على نحو مستدام إجراء تحول بعيدًا عن مفهوم "العمل كالمعتاد" بغية تبني حلول مبتكرة قادرة على تحويل نظمنا الزراعية والغذائية. ولا يتطلب هذا التحول تحقيق إنجازات تكنولوجية فحسب، بل إنه يتطلب كذلك التزامًا متجددًا بالتعاون ورغبة في إعادة التفكير في كيفية إنتاج الأغذية وتوزيعها واستهلاكها. وتكمن في صميم هذا الجهد الحاجة الماسة إلى تعزيز تعددية الأطراف، بما يضمن تقاسم منافع الابتكار بشكل منصف في جميع أنحاء العالم.

ولكن ماذا يعني "الابتكار" فعليًا في سياق الزراعة والأمن الغذائي؟ وكيف يمكن تسخير التكنولوجيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول لمواجهة هذه التحديات العالمية؟ وما هو الدور الذي يمكن أن تؤديه المنظمات الدولية والحكومات بل والمواطنون الأفراد أيضًا في رسم معالم مستقبل ينعم بقدر أكبر من الاستدامة والأمن الغذائي؟

للإجابة عن هذه الأسئلة الحاسمة، تحدثت غرفة أخبار المنظمة مع السيد Vincent Martin، مدير مكتب الابتكار في المنظمة. ويوضح السيد Martin رؤية المنظمة بالنسبة إلى الابتكار ويسلّط الضوء على المشاريع قيد التنفيذ ويؤكد على الحاجة الملحة للعمل الجماعي لبناء نظم زراعية وغذائية قادرة على الصمود ومنصفة.

دعونا نتكلم عن الابتكار في منظمة الأغذية والزراعة. فما معنى الابتكار فعليًا، من الناحية العملية؟

السيد Vincent Martin : الابتكار هو، بكل بساطة، العمل بطريقة مختلفة - والقيام بأمور مغايرة. والابتكار، بالنسبة إلي، هو أيضًا تحويل العلوم إلى فرص في السوق ونقلها إلى الميدان. والهدف هو تسخير قوة العلم والابتكار لتحويل النظم الزراعية والغذائية وتقديم الحلول مباشرة للمزارعين ولمن هم في أمسّ الحاجة إليها - ومساعدة الأشخاص على بناء حياة أفضل وكسب العيش من الزراعة.

باختصار، فإنّ الأمر يتعلق بتوسيع نطاق الأثر وضمان وصول الابتكار إلى آخر شِبر.

ومن الضروري أن ندرك أنّ الابتكار ليس من الكماليات- ولا بدّ أن يصبح هو القاعدة. لماذا؟ لأننا نواجه تحديات هائلة ومعقدة ومترابطة: مثل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والجوائح، والأزمات الاقتصادية والمالية، والطلبات العالمية المتزايدة. ومع ذلك، غالبًا ما تكون استجابتنا من خلال تقديم حلول أحادية البعد لا ترتقي إلى حجم المشاكل ولا إلى مدى تعقيدها.

بمعنى آخر، نحن نتصرف وكأننا رجال الإطفاء - أي أننا نستجيب على الدوام، ولكن نادرًا ما نستبق الأمور. وقد أصبحنا خلف التطورات، في حين ينبغي لنا أن نكون في طليعتها.

وبغية مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين بشكل عملي، يجب أن ننتقل من التفكير الأحادي البعد إلى نُهج شاملة وتطلعية ومبتكرة.

والابتكار لا غنى عنه. فهو يتعلق أيضًا بالحفاظ على جدوى الأمور عبر تقليص الفارق بين ما نقوم به الآن وما ينبغي لنا أن نقوم به لمواكبة التغيير والتحول السريعين.

كيف تطبق المنظمة إذًا مفهوم الابتكار هذا، وتحديدًا على النظم الزراعية والغذائية؟

في عام 2022، أطلقنا استراتيجية المنظمة للعلوم والابتكار وأنشأنا مكتب الابتكار. وكان الهدف هو تحديد معنى الابتكار في سياق تحويل النظم الزراعية والغذائية - من خلال إيجاد طرق لتوفير الغذاء للعدد المتزايد من السكان من دون استنزاف الموارد الطبيعية. ويتطلب تحقيق ذلك تبني رؤية جديدة تقضي بالقيام بأمور مغايرة والعمل بطريقة مختلفة.

وتطبيق الابتكار في النظم الزراعية والغذائية يعني الاستفادة من العلوم والتكنولوجيا والابتكار لإنتاج قدر أكبر من الأغذية باستهلاك قدر أقل من الموارد - ولا يضمن ذلك تنحية النظم عن المساهمة في تغير المناخ أو استنزاف الموارد فحسب، بل أن تصبح جزءًا من الحلّ أيضًا. وفي مواجهة الصدمات المناخية والأزمات وحالات الانكماش المالي، نقوم باستطلاع طيف واسع من الحلول - ليس فقط الابتكار التكنولوجي، بل أيضًا الابتكارات الاجتماعية والمؤسسية والمالية والسياساتية.

ففي مجال التكنولوجيا مثلًا، تؤدي التكنولوجيا العضوية دورًا أساسيًا. حيث يمكن للتقنيات الجينومية الجديدة أن تساعد في استنباط أصناف من المحاصيل تكون أكثر قدرة على مقاومة تغير المناخ والجفاف والملوحة والآفات. ولكنّ التكنولوجيا وحدها لا تكفي. فالابتكار الاجتماعي مهم أيضًا. كيف نمكّن النساء والشباب من أجل النهوض بالابتكار؟ وكيف نطلق أيديهم لكي يأتوا بالحلول وينقلوا الاكتشافات العلمية إلى الميدان؟ إننا ندعم رواد الأعمال من النساء والشباب لكي يقوموا بذلك بالضبط.

ونحن نعمل بصورة مباشرة أيضًا مع المزارعين عبر برنامجنا الرئيسي "المدارس الحقلية للمزارعين" الذي قام على مدى عقود من الزمن بتمكين التعلّم بين الأقران - حيث يحدد المزارعون المشاكل ويجدون الحلول معًا في الحقل. ونعمل حاليًا على إعداد برنامج "المدارس الحقلية للمزارعين 2.0"، الذي يركّز ليس فقط على زيادة عدد المزارعين المستفيدين بل أيضًا على توسيع نطاق الاستفادة. وتهدف هذه المرحلة التالية إلى حشد المجتمعات المحلية الريفية بأكملها من أجل تجديد المناظر الطبيعية، والاقتصادات الشاملة، والتغيير المفضي إلى التحول من حيث المنظور الجنساني.

وبحلول عام 2040، نسعى إلى الوصول إلى 50 مليون شخص من سكان الريف من خلال دمج الأدوات الرقمية، والعلوم السلوكية، والتمويل الابتكاري. وبغية تحقيق ذلك، نعمل على توسيع نطاق عملنا ليشمل مناطق جديدة، بما في ذلك المناطق التي انتهت فيها الصراعات؛ وزيادة أثر عملنا لتعزيز التغيير الاجتماعي والثقافي الدائم؛ وتحسين عملنا من خلال دمج برنامج المدارس الحقلية للمزارعين في السياسات الوطنية واستراتيجيات القطاع الخاص.

هل يمكنكم إعطاءنا بعض الأمثلة الملموسة الخاصة ببلدان معينة على هذه المشاريع المبتكرة التي تكللت بالنجاح؟

في عام 2023، أطلقنا برنامج الحاضنة الخاص بالمنظمة الذي يُعنى بالابتكار في الحقول، وحمل اسم Elevate (أي "الارتقاء"). وقمنا حتى الآن بدعم مجموعتين من المشاريع والفِرق، تتراوح بين حلول التكنولوجيا المتقدمة والتكنولوجيا البسيطة.

وأحد الأمثلة عليها هو مشروع أخذ العينات الهوائية عن طريق الطائرات المسيّرة في جنوب شرق آسيا. حيث تقوم هذه الطائرات المسيّرة بجمع العيّنات من كهوف الخفافيش لتحديد الفيروسات الوبائية المحتملة - ما يتيح للباحثين فحص البيئات بأمان ودقة، ومن دون مخاطر على الصحة. ويمكن تكرار هذه الطريقة في مختلف الظروف الزراعية للحصول على نتائج سريعة وعالية الدقة.

وثمة مشروع آخر ينفذ في أفريقيا ويركّز على الاقتصاد البيولوجي من خلال استخدام "ذباب الجندي الأسود" بهدف الحد من هدر الأغذية. فهذا الذباب يقتات على بقايا الأغذية، ويضع ملايين البيوض، ومن ثمّ يجري تجفيف اليرقات من أجل إنتاج علف للحيوانات - فهذا حلّ دائري مستدام. وقد اختيرت هذه المبادرة للانضمام إلى برنامج العامل المسرع لجس النبض العالمي التابع للأمم المتحدة بفضل النجاح الذي حققته.

وفي كابو فيردي، ثمة مشروع يدعم النساء في المجتمعات المنتجة للأسماك من خلال تدريبهن على تحويل جلود الأسماك إلى جلود لصناعة قطع من الأزياء - فيهيئ سبل عيش جديدة ويضفي قيمة إلى الموارد المحلية.

والتنوع الذي تتسم به الابتكارات مثير للإعجاب. وتعمل فِرق عديدة أيضًا على استكشاف إمكانات الذكاء الاصطناعي - من حفز الإنتاج إلى الكشف عن الأمراض. ونحن نرشد بروز حلول إبداعية ومؤثرة في جميع أرجاء المنظمة.

وما هذه إلّا البداية فحسب. فنحن نعمل باستمرار على تسريع وتيرة هذه الابتكارات وتوسيع نطاقها بفعالية وضمان وصولها إلى المجتمعات المحلية التي هي في أمسّ الحاجة إليها.

كيف تستخدم المنظمة الذكاء الاصطناعي، وما هي الإمكانات التي تراها فيه من أجل تحويل النظم الزراعية والغذائية؟

لقد بات الذكاء الاصطناعي في الوقت الراهن عنصرًا أساسيًا في استراتيجية الزراعة الرقمية لدينا. وقد عملت المنظمة منذ فترة طويلة على تشجيع الزراعة الرقمية، ولكنّ سرعة نهوض الذكاء الاصطناعي واتساع نطاقه تجاوزا التوقعات. فصحيح أننا كنا نتوقع ثورة في هذا المجال - ولكن ليس بهذه السرعة. وعلينا الآن أن نتكيف ونتقبل التغيير، وأن نحرص على استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وأخلاقي.

وإلى جانب دعم المزارعين بالأدوات الرقمية وإنترنت الأشياء من أجل تمكين زراعة أكثر دقة وزيادة الكفاءة في استخدام الموارد، فإننا نعمل بشكل متزايد على استكشاف الطرق التي يمكن من خلالها للذكاء الاصطناعي أن يرتقي بهذه النظم. وتكمن القوة الحقيقية للذكاء الاصطناعي في قدرته على كشف الأنماط والعلاقات التي لم نكن لنراها لولاه - ما يعزز الكفاءة، ويتيح اتخاذ قرارات أسرع، ويمكّن التنبؤ بالنتائج، ويقي من تفشي الأمراض.

وعلى المستوى العالمي، نقوم بتشغيل منصات مثل نظام مؤشر الإجهاد الزراعي (ASIS)، الذي يستخدم صور الأقمار الاصطناعية لرصد ظروف الجفاف. وسوف يدمج الجيل المقبل من هذا النظام الذكاء الاصطناعي بغية تحسين الدقة وسرعة الاستجابة.

ويتمثل أحد أكثر مشاريعنا طموحًا في إعداد أول نموذج لغوي كبير في العالم (LLM) يعنى بالإنتاج الزراعي والغذائي وقائم على بيانات المنظمة الوافرة وخبراتها العالمية. وفي حين أنّ الذكاء الاصطناعي حوّل بعض القطاعات مثل التمويل والرعاية الصحية، إلّا أنّ قطاع الإنتاج الزراعي والغذائي يبقى غير مستفيد منه إلى حد كبير. ويتمثل هدفنا في بناء نموذج أساسي للذكاء الاصطناعي يوفر بشكل آني الإرشادات للسياسات والمشورة الزراعية والاستراتيجيات المناخية ويتيح الوصول إلى قاعدة معارف عالمية - ما يضع الإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي بين يدي المزارعين وصانعي السياسات والباحثين والأعمال التجارية.

ونحن في طور إبرام شراكة مع منظمة Digital Green، وهي منظمة منبثقة عن مايكروسوفت، من أجل إيصال الخدمات الاستشارية المستندة إلى الذكاء الاصطناعي إلى المزارعين بشكل مباشر. وتدعم منصتهم لغات متعددة، وبفضل الذكاء الاصطناعي والنماذج اللغوية - الكبيرة منها والصغيرة على حد سواء - بات بإمكان المزارعين الآن الوصول إلى مشورة محلية ومحددة السياق عبر تطبيقات الهاتف المحمول. ونحن نقوم حاليًا بتجربتها في إثيوبيا، وقريبًا في موزامبيق، باستخدام مجموعات بيانات مصممة بحيث ينحصر تركيزها بشكل خاص على الاحتياجات الزراعية المحلية، بدلًا من بيانات الإنترنت العامة.

وقد بات أثرها قابلًا للقياس بالفعل. حيث أفادت منظمة Digital Green أنّ الخدمات الاستشارية التقليدية كانت تصل كلفتها سابقًا إلى 30 دولارًا أمريكيًا لكل مزارع. ولكنّ الأدوات الرقمية قلّصت تلك الكلفة إلى 3 دولارات أمريكية. وباستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن تنخفض تلك الكلفة إلى 0.30 دولارًا أمريكيًا لكل مزارع. وبالنسبة إلى صغار المزارعين، فإنّ هذا الأمر لا يحقق الكفاءة فقط - بل إنه يحوّل مجرى الأمور.

ما هي بعض من أكبر التحديات الماثلة أمام تنفيذ هذه الأنواع من الذكاء الاصطناعي والابتكارات الأخرى، لا سيما أمام المزارعين في الميدان؟

أولًا، يجب اختبار أي حل من أجل ضمان جدواه على أرض الواقع. ويتمثل أحد التحديات الرئيسية في الوصول إلى البيانات المحلية الجيدة النوعية - الضرورية لجعل نظم الذكاء الاصطناعي فعالة ومجدية. ونحن نبحث في كيفية قيام برامج مثل المدارس الحقلية للمزارعين بالمساعدة على جمع هذا النوع من البيانات على المستوى الميداني.

ويتسم التدريب والتعليم بأهمية حاسمة أيضًا - على المستوى الوطني وعلى مستوى المزارعين في الميدان على حد سواء. إذ ينبغي للأفراد أن يفهموا ليس فقط كيفية استخدام هذه النظم، بل كيفية إدماجها أيضًا في سقراراتهم اليومية.

وبيئة السياسات لا تقلّ أهمية عنهما. فالابتكار بحاجة إلى بيئة حاضنة. ومن دون استراتيجيات وطنية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار ومن دون وجود البيئة السياساتية المناسبة، يستحيل توسيع نطاق هذه الحلول بشكل مستدام.

ومع الذكاء الاصطناعي على وجه التحديد، لا بدّ من أن يكون استخدامه مسؤولًا وأخلاقيًا. وعلينا أن نحرص على ألّا يعزز أوجه التحيز أو عدم المساواة القائمة - وهنا تكمن أهمية جودة البيانات والحوكمة.

وحتى لو كان أحد الحلول مجديًا من الناحية التقنية، فهذا ليس كافيًا على الدوام. فالسياقات الاجتماعية هي عامل مؤثر أيضًا. ونحن نجمع الرؤى من العلوم الاجتماعية والسلوكية لفهم العوائق التي تحول دون تبني الحلول - سواء أكانت ثقافية أم اقتصادية أم متعلقة بالبنية التحتية. وإنّ أي أداة متطورة لا تكون مفيدة إلّا إذا كانت لدى المستخدمين القدرة على استخدام الهواتف الذكية وعلى الربط بالشبكات والمهارات اللازمة لاستخدامها. وهذا ما دفعنا إلى التحول من مجرد نقل التكنولوجيا إلى إشراك المستخدمين في الابتكار.

وثمة عائق كبير آخر هو العزوف عن المخاطر. فالزراعة تعتمد على القدرة على التنبؤ - وليس بوسع المزارعين المخاطرة باستخدام أدوات لم يجر اختبارها. إذ إنّ موسمًا غير ناجح قد يلحق أضرارًا جسيمة. وهذا ما دعا المنظمة إلى العمل على التخفيف من مخاطر الابتكار، وتهيئة مسارات آمنة وتدريجية من أجل اعتماده وتوسيع نطاقه.

بالنظر إلى المستقبل، إذا ما تم تنفيذ كل هذه الابتكارات بنجاح، كيف سيكون شكل المستقبل المثالي للمزارعين والنظم الزراعية والغذائية العالمية؟

تتمثل إحدى الأولويات الهامة في التنبؤ بالمستقبل - أي أن نمضي بشكل مدروس واستراتيجي إلى تحقيق مبتغانا. وينبغي لنا أن نعدّ سياسات تواكب المستقبل من خلال الاستشراف وفهم ما قد يكون عليه العالم بعد 10 أو 20 أو 30 عامًا. ما هو السيناريو الأكثر ملاءمة وكيف يمكننا تحقيقه؟

أجرينا مؤخرًا اختبارًا استشرافيًا لبعض التكنولوجيات والابتكارات الناشئة، من منطلق التطلّع إلى عام 2050. وبحثنا خمسة سيناريوهات محتملة تتراوح بين الأسوأ والأكثر استحسانًا. وفي أكثر السيناريوهات تفاؤلًا، نتصور عالمًا يمكننا فيه توفير الغذاء بشكل مستدام لأعداد متزايدة من السكان، ليس فقط لتجنب الضرر البيئي ولكن أيضًا لاستعادة التنوع البيولوجي والتخفيف من تأثيرات تغير المناخ. وستكون النظم الغذائية مستدامة وشاملة وفعالة وتتيح للجميع التمتع بأنماط غذائية صحية.

وسعيًا نحو تحقيق هذه الرؤية، حددنا 20 ابتكارًا واعدًا يمكن أن تساعد في رسم معالم المستقبل. ومن بين هذه الابتكارات، فإنّ النُهج القائمة على الطبيعة، والابتكار في مجال السياسات، والأدوات الجغرافية المكانية، والتقنيات السريعة التطور مثل الذكاء الاصطناعي أو الحوسبة الكمية، تبرز بوصفها أدوات فعالة لإرشاد عملية صنع القرار، شرط استخدامها بشكل مسؤول.

وقد أصبح الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية قابلين للتطبيق بشكل متزايد، خاصة عند اقترانهما بالابتكارات أو التكنولوجيات الأخرى، بما في ذلك التكنولوجيات البيولوجية. ويمكن لهذه الابتكارات أن تعزز بشكل كبير قدرتنا على التنبؤ بتفشي الأمراض وصدمات الطقس وحالات الجفاف - ما يساعدنا على الاستعداد والاستجابة بدقة أكبر بكثير.

بالنظر إلى الطابع الملح لهذا الموضوع، ما الذي ينبغي على المجتمع الدولي فعله الآن بغية ضمان قدرتنا على المضي نحو ذاك السيناريو الأفضل، وليس الأسوأ؟

إرساء أواصر التعاون، وإبرام الشراكات، والشمولية هي أمور أساسية. ويجب علينا أن نعتمد على تعددية الأطراف - فهي تبقى المسار الصالح الوحيد للمضي قدمًا. بيد أنّ تعددية الأطراف تعاني من ضغوط في الوقت الراهن. وهنا يأتي الدور الحاسم الذي تؤديه المنظمة والأمم المتحدة: وهو الحفاظ على التعاون العالمي وقيادته من خلال ضمان أن يستفيد الجميع من الابتكار والتكنولوجيا، وليس فقط قلة محظوظة.

وتكمن قوتنا في قدرتنا على الجمع بين مختلف الجهات الفاعلة - أي الحكومات والقطاع الخاص والمؤسسات البحثية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني. ونحن بحاجة إلى التزام مشترك من أجل رسم معالم المستقبل الذي نصبو إليه، الذي يقوم على الابتكار والعمل الجماعي والحوكمة المسؤولة.

ولا يقتصر الأمر على التكنولوجيا فحسب، بل يتعلق بالفهم المشترك والعمل يدًا بيد لاستباق التحديات والمشاركة في ابتكار حلول شاملة واستشرافية.

هل من مشاريع أخرى مقبلة للمنظمة ينبغي أن يتشوّق إليها الأشخاص بشكل خاص أو أن يكونوا على دراية بها؟

سوف نطلق التوقعات الخاصة بالتكنولوجيات والابتكارات في مجال النُظم الزراعية والغذائية (ATIO) في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2025 خلال منتدى العلوم والابتكار التابع للمنظمة. وتشتمل التوقعات على مكونين رئيسيين اثنين هما:

أولًا، مطبوع يصدر كل سنتين اعتبارًا من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2025 ويضمّ آخر التطورات في مجال العلوم والتكنولوجيا ذات الصلة بالنظم الزراعية والغذائية.

وثانيًا، قاعدة بيانات مفتوحة المصدر - هي الأولى من نوعها - مخصصة للتكنولوجيات والابتكارات المتعلقة بالإنتاج الزراعي والغذائي. وتسعى إلى أن تكون موردًا قيمًا للدول الأعضاء والباحثين وصانعي السياسات وأصحاب المصلحة في القطاع الخاص، ما يساعد على توجيه الاستثمارات الاستراتيجية في تحويل النظم الزراعية والغذائية.

وتتمثل الفكرة الأساسية في سد الفجوة العالمية في العلوم والتكنولوجيا والابتكار من خلال إتاحة المعارف وجعلها على صلة بالسياقات المحلية المتنوعة. وإنّ بناء قاعدة البيانات هذه هو مهمة تتطلب جهدًا كبيرًا، إذ إنّ البيانات مشتتة حاليًا عبر منصات ونظم متنوعة في جميع أرجاء العالم. ونحن نتبع نهجًا موحدًا من أجل جمعها برمتها في مكان واحد يسهل الوصول إليه.

وعلى عكس العديد من قواعد البيانات الحالية التي تركز بشكل كبير على التكنولوجيا، فإنّ التوقعات الخاصة بالتكنولوجيات والابتكارات في مجال النُظم الزراعية والغذائية ستتبنى نظرة أوسع - لن تتناول الابتكار التكنولوجي فقط، ولكن أيضًا الابتكارات الاجتماعية والسياساتية والمؤسسية.

ونحن ملتزمون أيضًا بتحفيز ريادة الأعمال، خاصة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وقمنا على مدار العام المنصرم بتنظيم عدد من مسابقات التحدي في مجال الابتكار. وكانت آخرها تركّز على تغير المناخ وحلول الذكاء الاصطناعي، وشاركت في استضافتها جامعة زيجيانغ في الصين. وبعد تحديد أكثر الابتكارات الواعدة، نقوم بتيسير أحداث مواءمة - تجمع بين رواد الأعمال الشباب ومقدمي الحلول والمستثمرين والمستخدمين النهائيين للمساعدة في تحويل الأفكار إلى حلول مؤثرة وقابلة للتطبيق على نطاق واسع، وذلك خلال منتدى العلوم والابتكار الذي تقيمه المنظمة.

بالنسبة إلى الأشخاص العاديين الذين قد لا يكونوا منخرطين في الابتكار أو الزراعة بشكل مباشر، ما الذي يمكنهم فعله لكي يساهموا في هذه الرؤية الإيجابية للمستقبل؟

لن نحقق أفضل سيناريو ممكن ما لم نغير طريقة تفكيرنا - وما لم نعمل بطريقة مختلفة ونعتنق الابتكار. وهذه المسؤولية ملقاة على عاتقنا جميعًا. وهي تتطلب نقلة في أسلوب التفكير، وهو أمر ليس بالسهل على الدوام - فالابتكار غالبًا ما ينطوي على كسر العادات والخروج من ملاذ الراحة الشخصية. ولكن لا خيار لدينا. ويجب علينا أن نتقبل التغيير.

ونحن كمستهلكين لدينا القدرة أيضًا. إذ يمكننا من خلال اعتماد خيارات غذائية مستدامة أن نساهم في تحسيت صحة كوكب الأرض. والتغيير يبدأ في القرارات اليومية. فتحدثوا مع أصدقائكم وعائلاتكم ومجتمعكم المحلي عن النظم الغذائية المستدامة وعن أهمية الابتكار المسؤول. وساندوا السياسات والمبادرات التي تعطي الأولوية للشمول ولحماية البيئة ولتسهيل وصول الجميع إلى المعارف والتكنولوجيا.

انظروا إلى الذكاء الاصطناعي على سبيل المثال. فإنّ عملية بحث واحدة باستخدام الذكاء الاصطناعي قد تستهلك من الطاقة ما يصل إلى 20 ضعف الطاقة التي يستهلكها البحث الاعتيادي عبر الإنترنت. ولهذا السبب نحتاج إلى تشجيع نظم الذكاء الاصطناعي المفتوحة والشفافة والكفؤة من حيث الطاقة - نظم يمكن فهمها وقياسها وتكون متوافقة مع الصالح العام.

وعند استخدام الأدوات الرقمية أو المنصات القائمة على الذكاء الاصطناعي، اختاروا منها تلك التي تسند الأولوية للشفافية والممارسات الأخلاقية وتستهلك قدرًا أقل من الطاقة. اختاروا الخدمات المفتوحة المصدر أو الخدمات ذات البصمة المنخفضة متى أمكن ذلك - فهذه طريقة بسيطة ولكنها مفيدة لتعزيز الابتكار المسؤول.

وحتى إن كنا من المستخدمين الأفراد، بإمكاننا اتباع خيارات واعية - مثل دعم مزودي خدمات الذكاء الاصطناعي الذين يستخدمون التكنولوجيات المفتوحة المصدر أو التي تسهلك قدرًا أقل من الطاقة. وقد لا تبدو هذه القرارات هامة ولكنها تساهم في تحقيق الاستدامة العالمية. وهي طريقة إضافية للمشاركة في الحلّ.

والمواطن المطّلع والفاعل يمكنه أن يؤثر على اتجاه التغيير - سواء أكان ذلك من خلال التصويت أم المشاركة في المبادرات المحلية أم دعم المنظمات العاملة في مجال الغذاء والمناخ والابتكار.
للاتصال

المكتب الإعلامي للمنظمة (روما) 0039657053625 [email protected]